Sunday 3 February 2013

المجاز في البلاغة


المقدمة
المجاز: مشتق من جاز الشيء يجوزه، إذا تعداه سموا به اللفظ الذي نقل من معناه الاصلي، واستعمل ليدل على معنى غيره، مناسب له.
والمجاز: من أحسن الوسائل البيانية التي تهدى اليها الطبيعة لإيضاح المعنى، إذ به يخرج المعنى متصفاً بصفة حسية، تكاد تعرضه على عيان السامع، لهذا شغفت العرب باستعمال المجاز لميلها إلى الاتساع في الكلام، والى الدلالة على كثرة معاني الألفاظ، ولما فيها من الدقة في التعبير، فيحصل للنفس به سرور وأريحية، ولأمر ما كثر في كلامهم، حتى أتوا فيه بكل معنى رائق، وزينوا به خطبهم وأشعارهم.
المباحث فيه
v   المبحث الأول في تعريف المجاز
المجاز لغة: مصدر فِعْلِ "جَازَ" يقال لغة: جاز المسافر ونحوه الطريق، وجاز به جَوْزاً وجوازاً ومجازاً، إذا سار فيه حتى قطعه.
المجاز اصطلاحا هو اللفظ السمتعمل في غير ما وضع له في اصطلاح التخاطب لعلاقةٍ: مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي، والعلاقة: هي المناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، قد تكون بين المعنيين، وقد تكون غيرها.[1]
فاذا كانت العلاقة المشابهة فالمجاز استعارة، وإلا فهو مجاز مرسل.
v  المبحث الثاني في تقسيمات المجاز
ينقسم المجاز في الكلام إلى قسمين:
القسم الأول: المجاز اللّغويّ، وهو الذي يكون التجوّز فيه باستعمال الألفاظ في غير معانيها اللّغوية أو بالحذف منها أو بالزّيادة أو غير ذلك، مثل:استعمال لفظة "الأسد" للدلالة على الإِنسان الشجاع.-واستعمال الشراء والبيع بمعنى أخذ شيءٍ يلزم عنه ترك شيءٍ آخر.- ومثل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وزيادة بعض الحروف للتأكيد أو التزيين.
القسم الثاني: المجاز العقلي، وهو المجاز الذي يكون في الإِسناد بين مُسْنَدٍ ومُسْندٍ إليه. والتجوّز في هذا القسم يكون في حركة الفكر بإسناد معنىً من المعاني مدلولٍ عليه بحقيقة أو مجاز إلى غير الموصوف به في اعتقاد المتكلّم لمُلابَسَةٍ ما تُصَحِّحُ في الذّهن هذا الإِسناد تجوّزاً، بشرط وجود قرينة صارفةٍ عن إرادة كون الإِسناد على وجه الحقيقة، مثل ما يلي:
o          إسناد بناء الجسور ودوائر الحكومة ومنشآتها في الدولة إلى ملك البلاد، نظراً إلى كونه الآمِرَ ببنائها.
o    وإسناد القيام إلى ليل العابد لربّه، وإسناد الصيام إلى نهاره، مع أنّ الإِسناد الحقيقي يقتضي أن يُسْنَد القيام والصيام إلى شخص العابد.
o    وإسناد حُسْن التأليف والتصنيف إلى قلم الكاتب، مع أنّ القلب لا يُحْسِن تأليفاً ولا تصنيفاً، إنّما يُحْسِنُهما الكاتب به البارع.

تقسيم المجاز إلى مجاز في المفرد ومجاز في المركب ومجاز في الإِسناد ومجاز قائم على التوسّع في اللّغة دون ضابط معين
ينقسم المجاز إلى الأقسام الأربعة التالية:
القسم الأول: "المجاز في المفرد" وهو اللّفظ المفرد المستعمل في غير ما وضع له، كالأسد في الرجل الشجاع، وكاليد بمعنى الإِنعام.
القسم الثاني: "المجاز في المركب" وهو اللفظ المركّب المستعمل بهيئته المركبة في غير المعنى الذي وضع له، لعلاقة ما، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي، مثل:
o     أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى، أي: حالك كحال المتردّد.
o     أنت تنفخ في رماد، أي: حالُكَ كحال من ينفخ في رماد، في ضياع الجهد.
ومثل:
o     استعمال الْجُمَل الخبريّة بمعنى الإِنشاء.
o     استعمال الجمل الإِنشائية بمعنى الخبر.
القسم الثالث: "المجاز في الإِسناد" وهو المجاز العقلي الذي يُسْنَد فيه الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في اعتقاد المتكلم، مثل:
o     سالَ الوادي، بإسناد السيلان إلى الوادي، مع أنّ الذي سال هو الماء فيه، والعلاقة المجاورة.
القسم الرابع: "المجاز القائم على التوسّع في اللّغة دون ضابط معين" وهو
المجاز الذي يكون التوسُّع اللُغويُّ فيه بوجوه مختلفة لا يجمعها ضابط معين، كالزيادة أو الحذف في بعض الكلام، وكإطلاق الماضي على المستقبل والعكس، مثل:
o     حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، نحو: اسأل القرية، أي: اسأل أهل القرية.
o     زيادة حروف في ضمن الكلام للتأكيد أو للتزيين، نحو: لفظ "ما" بعد "إذا".
تقسيم المجاز اللّغوي إلى استعارة ومجاز مرسل. ينقسم المجاز اللغوي بالنظر إلى وجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، أو بين الاستعمال الأصلي والاستعمال المجازي، أو عدم ملاحظة علاقة ما، بل هو مجرّد توسّع لغوي، إلى قسمين:
القسم الأول: "الاستعارة" وهي المجاز الذي تكون علاقته المشابهة بين المعنى الأصليّ والمعنى المجازي الذي استعمل اللّفظ للدّلالة به عليه.
وهذه الاستعارة تكون في المفرد، وتكون في المركب كما سيأتي إن شاء الله.
القسم الثاني: "المجاز المرسل" وهو نوعان:
o  نوعٌ توُجَدُ فيه علاقة غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الذي استعمل اللّفظ للدّلالة به عليه، كاستعمال "اليد" بمعنى النعمة لعلاقة كون اليد هي الوسيلة التي تستعمل عادة في عطاء الإِنعامات، وكإسناد الفعل أو ما في معناه لغير ما هو له.
o  ونَوْعٌ لا توجد فيه علاقة فكريَّةٌ ما، وإنّما كان مجرّد توسُّع لغوي، كالمجاز بالحذف دون ملاحظة علاقة فكرية، وكالمجاز بالزيادة، وغير ذلك.
وسُمِّيَ هذا "مجازاً مُرْسَلاً" لكونه مُرْسلاً عن التقييد بعلاقة المشابهة، سواء أكان له علاقة غير المشابهة، أمْ لم تكن له علاقة ما.
v  المبحث الثالث في فنُّ المجاز ودواعيه وأغراضه[2]
المجاز طريق من طُرُق الإِبداع البيانيّ في كلِّ اللّغات، تدفع إليه الفطرة الإِنسانيّة المزوّدة بالقدرة على البيان، واستخدامِ الحِيَل المختلفة للتعبير عمّا في النفس من معانٍ تُرِيدُ التَّعْبيرَ عنها.
وقد استخدمه الناطق العربيّ في عصوره المختلفة، في حواضره وبواديه استخداماً بارعاً وواسعاً جدّاً، حتَّى بلغت اللّغة العربيّة في مجازاتها مبلغاً مثيراً للإِعجاب بعبقريّة الناطقين بها في العصور الجاهليّة، وفي العصور الإِسلاميّة، وكان لفحول الشعراء، وأساطين البلغاء، من كُتَّابٍ وخطباء، أفانينُ بديعة، عجيبة ومُعْجِبة من المجاز، لا يَتَصَيَّدُها إلاَّ الأذكياء والفطناء، المتمرّسون بأساليب التعبير غير المباشر عن أغراضهم.
وليس المجاز مُجَرَّد تلاعُبٍ بالكلام في قفزاتٍ اعتباطيّة منْ استعمال كلمة أو عبارةٍ موضوعةٍ لمعنىً، إلى استعمال الكلمة أو العبارة بمعنى كلمة أو عبارةٍ أخرى موضوعة لمعنىً آخر، ووضع هذه بدل هذه للدّلالة بها على معنَى اللّفظ المتروكِ المستَبْدَلِ به اللفظ الآخر.
بل المجازُ حركاتٌ ذهنيّة تَصِلُ بين المعاني، وتعقِدُ بينها روابطَ وعلاقاتٍ فكريّةً تسمح للمعبّر الذكِيّ اللّمّاح بأن يستخدم العبارة الّتي تدلُّ في اصطلاح التخاطب على معنىً من المعاني ليُدلَّ بها على معنىً آخر، يمكن أن يفهمه المتلَقِّي بالقرينة اللفظيّة أو الحاليّة، أو الفكريّة البحت.
إنّه مثلاً قد يلاحظ انقطاع الصلة بين فئة من الناس وفئة أخرى، أو قومٍ وقوم آخرين، لعداوة قائمة بينهما، ويرى إصْرار كلٍّ من الفريقين على موقفه العدائي، ومجافاة الفريق الآخر، وعدم التلاقي به أو التعامل معه، فَيَلْمَحُ أنّ هذا الأمر بين الفريقين يشبه جبَلَيْنِ يفصل بينهما وادٍ سحيق ليس له قرار، ويلْمَح أنّ إقامة الصِّلاتِ بينهما متعذّرٌ أو متعسّر جدّاً ما دام هذا الفاصل السحيق بينهما، فيخطرُ له ان يتخذ وسطاء مقبولين، من كلٍّ من الفريقين، ليقوم هؤلاء الوسطاء بنقل المصالح والحاجات بينهما.
وهكذا يحمل المجاز في العبارة من المعاني الممتدة الواسعة، ومن الإِبداع الفني ذي الجمال الْمُعْجِب، ما لا يؤدّيه البيان الكلامي إذا اسْتُعْمِل على وجه الحقيقة في كثيرٍ من الأحيان.
مع ما في المجاز من اختصارٍ في العبارة وإيجاز، وإمتاعٍ للأذهان، وإرضاءٍ للنفوس ذوات الأذواق الرفيعة الّتي تتحسَّن مواطن الجمال البياني فَتَتَأَثَّرُ به تَأثُّرَ إعجاب واستحسان.
ودواعي المجاز وأغراضه يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
أولاً: أنّ المجاز في الكلام هو من أساليب التعبير غير المباشر، الذي يكون في معظم الأحيان أوقع في النُّفوس وأكثر تأثيراً من التعبير المباشر.
ثانياً: يشتمل المجاز غالباً على مبالغة في التعبير لا تُوجد في الحقيقة، والمبالغة ذات دواعي بَلاغيّة متعدّدة، منها: "التأكيد - التوضيح - الإِمتاع بالجمال - الترغيب عن طريق التزيين والتحسين - التنفير عن طريق التشويه والتقبيح -"إلى غير ذلك.
ثالثاً: يُتِيحُ استخدام المجاز فرصاً كثيرة لابتكار صورة جمالية بيانيّة لا يُتِيحُهَا استعمال الحقيقة، فمعظم أمثلة التصوير الفني الرائع مشحونةٌ بالمجاز.
رابعاً: استخدام المجاز يُمَكِّنُ المتكلّم من بالغ الإِيجاز مع الوفاء بالمراد ووفرة إضافيّة من المعاني والصّور البديعة.
خامساً: المجاز بالاستعارة أبلغ من التشبيه، فما سبق بيانه في دواعي التشبيه وأغراضه موجود في الاستعارة مع أمور أخرى لا تُوجَدُ في التشبيه.
سادساً: المجاز المرسل أبلغ من استعمال الحقيقة في كثير من الأحيان إذا كان حالُ مُتَلَقِّي البيان ممّن يلائمهم استخدام المجاز، ويشدُّ انتباههم لتدبُّرِ المضمون وفهمه إلى غير ذلك من دواعي وأغراض تتفتّق عنها أذهان أذكياء البلغاء.

v  المبحث الرابع في أشهر علاقات المجاز العقلي
1)     الإسناد إلى الزمان، نحو: (من سره زمن ساءته أزمان) أسند الاساءة والسرور إلى الزمن، وهو لم يفعلهما، بل كانا واقعين فيه على سبيل المجاز.
2)     الإسناد إلى المكان، نحو: (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم) فقد أسند الجرى إلى الانهار، وهي أمكنة للمياه، وليست جارية بل الجاري ماؤها.
3)     الإسناد إلى السبب، نحو: إنّي لمن معشر أفنى أوائلهم قيلُ الكماة ألا أين المُحامونا؟ فقد نسب الافناء إلى قول الشجعان، هل من مبارز؟ وليس ذلك القول بفاعل له، ومؤثر فيه، وإنما هو سبب فقط.
4)     الإسناد إلى المصدر – كقول أبي فراس الحمداني: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. فقد أسند الجد إلى الجد، أي الاجتهاد، وهو ليس بفاعل له، بل فاعله الجاد – فأصله جد الجاد جدا، أي اجتهد اجتهاداً، فحذف الفاعل الأصلي وهو الجاد، واسندَ الفعل إلى الجد.
5)     إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول – نحو: سرني حديث الوامق فقد استعمل اسم الفاعل، وهو الوامق، أي المُحبُّ بدل الموموق، أي المحبوب، فإن المراد: سررت بمحادثة المحبوب.
6)     إسناد ما بني للمفعول إلى الفاعل، نحو: "جعلت بيني وبينك حجاباً مستوراُ" أي ساتراً، فقد جعل الحجاب مستورا، مع أنه هو الساتر.
تنبيهات
أ‌)         كما يكون هذا المجاز في الإسناد، يقع في النسبة الاضافية، نحو جرى الأنهار، وغراب البين، ومكر الليل : فنسبة الجري إلى الأنهار مجاز علاقته المكانية، ونسبة البين إلى الغراب ، مجاز علاقته السببية ، ونسبة المكر إلى الليل مجاز، علاقته الزّمانية.
ب‌)   الفعل المبني للفاعل، واسم الفاعل، إذا أسندا إلى المفعول فالعلاقة المفعولية، والفعل المبني للمجهول، واسم المفعول، إذا أسندا إلى الفاعل فالعلاقة الفاعلية، واسم المفعول المستعمل في موضع اسم الفاعل مجاز، علاقته الفاعلية، واسم الفاعل المستعمل في موضع اسم المفعول مجاز، علاقته المفعولية.
ج‌)  هذا المجاز : مادةُ الشاعر المفلق، والكاتب البليغ، وطريق من طرق البيان، التي لا يستغنى عنها واحد منهما. 


المراجع
الهاشمي، أحمد، 2000، جواهر البلاغة فى المعانى والبيان والبديع، بيروت: لبنان، دار الفكر للطباعة والنثرز.
الدمشقي، عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني، البلاغة العربية،1416 هـ - 1996 م، بيروت: دار القلم، دمشق.


                                                                                                  



[1]  أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة فى المعانى والبيان والبديع، (بيروت: لبنان، دار الفكر للطباعة والنثر، 2000م)، ص 253

[2]  عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي، البلاغة العربية، (بيروت: دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1416 هـ - 1996 م)، ص 120

No comments:

Post a Comment

PERANAN KELUARGA DALAM ISLAM

Keluarga mempunyai peranan penting dalam pendidikan, baik dalam lingkungan masyarakat Islam maupun no-Islam. Karena keluarga merupakan tempa...