Thursday 7 February 2013

تجارة الأعضاء البشرية في ميزان الشريعة الإسلامية



أ‌.        مقدمة
لقد أحرز الطب نجاحا كبيرا في عمليات نقل بعض أعضاء جسم الإنسان، وبعث بذلك أمل الحياة في نفوس كثير من المرضى ، وجعلهم يتطلعون برغبة شديدة للحصول على الأعضاء البشرية المحتاجين إليها، بدافع المحافظة على حياتهم .
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون رسالة الإسلام مت
وافقة زماناً ومكاناً مع فطرة الله التي فطر الناس عليها كما اقتضت صلاح الناس بتلك الرسالة وفسادهم بدونها. ومن صلاح الإنسان أن تكون له قواعد ثابتة يركن إليها ويعتمد عليها وينطلق منها إلى تحقيق غاياته ومقاصده. وهى مبينة على الوضوح والبساطة فلا تأباها العقول ولا تجفوها الأفهام.

ان التصرفات القانونية التي ترد على الأعضاء البشرية تتخذ صوراً متعددة ، وتتبلور الصيغة القانونية التي يخرج بها كل تصرف من هذه التصرفات إلى حيز الوجود حسبما تقرره ارادتا المتصرف والمتصرف إليه أو ربما الإرادة المنفردة لاحدهما ، كما ان التصـرف بالعضو البشري قد يكون حال الحياة أو قد يضاف إلى ما بعد الموت.
ب‌.   تحديد المسألة
أراد الباحث في هذه المقالة أن يحدد البحث في الأمور الآتية:
1.     مفهوم الإجتماعي حول بيع الأعضاء البشرية.
2.     هل يجوز قانونا بيع الأعضاء البشرية.
3.     الشريعة الإسلامية وبيع الأعضاء البشرية.



ت‌.   البحث
1.     مفهوم الإجتماعي حول بيع الأعضاء البشرية
نظرا لحداثة موضوع بيع الأعضاء البشرية وأهميته فقد أثار اهتمام كثير من المشتغلين بالطب ورجال الدين والقانون ولا يوجد من تعرض لهذه القضية بالكتابة والرأي بصورة خاصة أو مباشرة . مما دعا المهتمين بهذا الأمر إلى الاجتهاد الشخصي والتوصل إلى آراء اجتهادية في ضوء منظورهم للحياة وفلسفتها أو في ضوء المصلحة أو الأضرار التي يحققها الشخص من وراء بيع الأعضاء.
فقد يقال إن حاجة المريض إلى عضو من جسم إنسان آخر إنما هي في جميع الحالات ضرورة ملجئة لإنقاذ حياة هذا المريض ، ولا يوجد ثمة ما يمنع شرعا ولا قانونا إذا ما اشترى المريض هذا العضو بالمبلغ الذي يتفق عليه بينه وبين الطرف الآخر . وهناك البعض يرى أنه لا يوجد دليل قاطع على تحريم بيع عضو من جسم الإنسان وإن الآراء التي توصلت إلى ذلك إنما هي آراء شخصية يوجد ما يخالفها من آراء أخرى لها حجتها وأسانيدها تبيح بيع وشراء الأعضاء .
وبعض الآراء جرى على إباحة بيع الأعضاء البشرية مستندة إلى أن الدية الشرعية هي المقابل المادي لجسم الإنسان أو حياته أي أن جسم الإنسان مقوم بقيمة الدية الشرعية وقياسا على ذلك فإن ثمن العضو البشري يقدر في ضوء الدية المقررة له شرعا .
وهذا القول مردود عليه بأن الدية الشرعية ليست ثمنا للجسم ، وإنما هي عقوبة توقع على الجاني الذي يعتدي على جسم أو حياة إنسان آخر .
وقد يرى البعض أيضا أن لا حاجة إلى إتيان بيع أو شراء الأعضاء البشرية وإنما يمكن أن يهب المريض الشخص المعطي له العضو مبلغا من المال في صورة هدية عرفانا منه لهذا الجميل ، وقد يخشى البعض المبالغة في هذه الهدية قد تصل قيمتها أكثر من الثمن الذي كان معروضا في حالة البيع فتتحقق العلة في تحريم البيع .
2.     هل يجوز قانونا بيع الأعضاء البشرية.
1 السؤال المطروح ، هل يجوز قانونا بيع الأعضاء البشرية ؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب الرجوع في ذلك إلى قواعد وأحكام القانون المدني باعتبار أن عقد البيع من العقود التي ينظمها هذا القانون . ولم ينص القانون المدني الأندونيسي صراحة على حظر بيع الأعضاء البشرية ، وإنما طبقا للقواعد العامة التي تحكم عقد البيع باعتباره من عقود المعاوضة ، يشترط لصحة هذا العقد أن يكون محله وسببه مشروعين أي أن يكون محل العقد مما يجوز التعاقد عليه شرعا ، وأن يكون لغاية مشروعة ، فمحل عقد البيع هو العضو البشري ، وبيعه غير مشروع لعدم جواز التعامل فيه أصلا ، كما أن السبب في عقد بيع الأعضاء غير مشروع أيضا لأن السبب هنا هو حصول البائع على الثمن لقاء بيعه العضو البشري مما يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية التي هي إحدى مصادر التشريع المدني في الأندونيسي.
فإذا تعاقد شخصان على بيع عضو بشري يكون العقد في هذه الحال غير قانوني، والجزاء المترتب على ذلك، هو بطلان العقد بطلانا مطلقا . أي يكون العقد معدوما لا وجود له ، والآثار المترتبة على هذا البطلان هي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد ، فيلتزم البائع برد المبلغ الذي تقاضاه من المشتري ، ويلتزم المشتري برد العضو البشري الذي تسلمه من البائع ، فإذا استحال على المشتري تنفيذ ذلك بأداء تعويض عادل للمشتري .
2 وقد تبيح الشريعة الإسلامية بيع العضو البشري في حالة الضرورة ، ففي هذه الحالة يكون محل وسبب عقد البيع مشروعين ، ويكون العقد صحيحا منتجا لجميع آثاره تجاه طرفيه.
3 أجاز القانون رقم (7) لسنة 1983 في شأن عمليات زراعة الكلى التبرع والوصية بالأعضاء البشرية وحدد الشروط اللازمة لذلك ، كما أجاز أخذ الأعضاء البشرية من جثة متوفى بشرط موافقة أقرب الأقارب الموجودين وقت الوفاة . ولم يتعرض القانون لبيع الأعضاء لا بالإباحة ولا بالحظر.
وقد نهجت بعض القوانين المقارنة والمنظمة لنقل الأعضاء البشرية منهجا واضحا وصريحا بالنسبة لبيع الأعضاء ، فحظرت صراحة بيعها أو تقاضي أي مقابل لقاءها ، وقررت لذلك العقوبة اللازمة على المخالف بالحبس والغرامة .
ومن هذه القوانين القانون الأردني والعراقي والسوداني وأخذ بذلك مشروع قانون زراعة الأعضاء الكويتي .
وهناك بعض القوانين المقارنة ، أوجبت على الطبيب الذي سيجري عملية نقل العضو، الامتناع عن إجراء هذه العملية إذا علم بواقعة بيع العضو الذي سيقوم بنقله ، وإلا تعرض للعقوبة الجزائية ، وقد أخذ بذلك مشروع قانون زراعة الأعضاء الكويتي .
ولم يتضمن قانون الجزاء الكويتي أي نص لتجريم فعل بيع الأعضاء البشرية ، وبالتالي فلا عقوبة لمن يبيع أو يشتري عضوا بشريا لنقله إلى جسم مريض .
4 الفرق بين البيع وغيره من تصرفات التبرع :
عقد البيع من عقود المعاوضة ، ومن خصائصه تقاضي الثمن مقابل الشيء المباع ، ويختلف عقد البيع في ذلك عن غيره من عقود التبرع ، مثل التبرع والوصية والهبة ، ففي هذه العقود يعطي الشخص الشيء ولا يأخذ مقابلا له، وعلة تحريم بيع الأعضاء البشرية هي تقاضي الشخص مقابلا لهذه الأعضاء . أما إذا لم يتقاض الشخص الثمن فيكون تصرفه تبرعا ويجوز شرعا إبرامه لأن السبب والغاية هنا مشروعان وهما مد يد المساعدة لشخص مريض لإنقاذ حياته دون مقابل. ولذلك أجازت القوانين الوضعية ومنها القانون الأندونيسي التبرع والوصية بالأعضاء البشرية وحظرت بيعها أصلا .
إذا أعطى شخص آخر عضوا بشريا دون مقابل ، وأراد الشخص المتلقي أن يرد الجميل المعطي فقدم له هدية عرفانا بهذا الجميل فهل يكون هذا التصرف بيعا أم تبرعا ؟ يجب لمعرفة ذلك أن نبحث عن أمرين الأول هو قيمة الهدية وموازنتها بقيمة الانتفاع بالعضو البشري فإذا تساوت القيمتان أو تجاوزت قيمة الهدية فإن التصرف هنا يعد بيعا وما الهدية إلا تصرف مقنع للبيع .
والأمر الثاني هو البحث عن نية المتعاقدين فإذا كانت نيتهما خالصة للتبرع فإن العقد يكون تبرعا بصرف النظر عن قيمة الهدية .
3.     الشريعة الإسلامية وبيع الأعضاء البشرية
لم نجد في كتب الفقه رأيا حول موضوع بيع الأعضاء البشرية، من حيث الحل والحرمة. ولذلك توجد بعض الآراء الاجتهادية لدى بعض المهتمين بهذه القضية فمنهم من يرى تحريم الأعضاء على أساس أن جسم الإنسان ملك لله وحده ، ولا يجوز للإنسان أن يتصرف في جسمه وفقا للقاعدة الفقهية المعروفة. "فاقد الشيء لا يعطيه".
وقد تصور البعض أنه يمكن التصرف في أعضاء جسم الإنسان بالبيع قياسا على بيع لبن المرضعة، وبيع الدم. ويرفض البعض ذلك لأنه قياس مع الفارق، لكون لبن المرضعة والدم لا ينقصان من وظائف الجسم أو يتسببان في تعطيله لأن من خصائصهما أن يتجددا في الجسم ويستعاض بالاستجداد عن الكمية المباعة مع ملاحظة أنه إذا زادت كمية الدم المباعة حتى الحد الذي يضر الجسم فيكون البيع هنا محرما لتحقق الضرر.
وقد قطعت الهيئة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دابر الخلاف بإصدارها الفتوى رقم 455 / 85 حول موضوع بيع الأعضاء ، ونصها " وأما شراء المريض كلية من شخص آخر فإن الأصل أن ذلك محرم لأن الله كرم الإنسان فلا يجوز قطع بعض أعضائه وبيعها بثمن مهما كان الثمن، ولكن إن لم يجد متبرعا يتبرع له بكليته وكانت هناك خطورة على حياته ، ولم يجد وسيلة أخرى للتخلص من مرضه فيجوز له الشراء حينئذ لأنه مضطر ، وقد قال الله تعالى : ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) .
وهذا مع مراعاة الشروط المتقدم بيانها في حالة التبرع من كون أخذ العضو لا يفضي إلى موت المأخوذ منه ولا إلى تعطيله وأن يكون ذلك برضاه الكامل ، وأن لا يكون بالغا رشيدا وأن يكون الغالب السلامة بعد نزع العضو. وأما المتبرع بالمال لهذا الذي هو في خطر الموت ويريد شراء كلية ليحفظ حياته إن كان بحاجة للمساعدة المالية فإن اللجنة ترى جواز التبرع له بالمال وتؤجر من أعانه والله لا يضيع أجر المحسنين والله أعلم.
ث‌.   خلاصة
و بعد بحث طويل و دقيق نري أن تجارة الأعضاء البشرية قد تبيح الشريعة الإسلامية في حالة الضرورة، ففي هذه الحالة يكون محل وسبب عقد البيع مشروعين، ويكون العقد صحيحا منتجا لجميع آثاره تجاه طرفيه، وهكذا صار شريعة الإسلامية مصدر من مصادر القانون المدني الأندونيسي.
ج‌.    قائمة البحث والمراجع
توفيق حسن فرج : عقد الإيجار ـ الدار الجامعية للطباعة والنشر ـ بيروت ـ 1984
أحمد أبو الفتوح المستشار.بيع الأعضاء البشرية في ميزان المشروعية للأستاذ محمد يحيي، القانوني لوزارة الصحة العامة.
الدكتور وهبة زهيلي. الفقه الإسلامي و أدلّته الجزء الرابع التطريات الفقهية والعقود، دارالفكر للطباعة والتوزيع و النشر بدمشق 1984

No comments:

Post a Comment

PERANAN KELUARGA DALAM ISLAM

Keluarga mempunyai peranan penting dalam pendidikan, baik dalam lingkungan masyarakat Islam maupun no-Islam. Karena keluarga merupakan tempa...